العَلاقة مع الله، قبلَ كُلّ شَيٍء، هِي عَلاقةَ حُبٍ إلهيِّ طاهرٍ التي لا تَحمِلُ في ثَناياها أيَّ بُعدٍ سلبيِّ خلافاً لأيِّ علاقةٍ بينَ بشرٍ) "اَللهُ مَحَبَّةٌ، وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ، يَثْبُتْ فِي اللهِ وَاللهُ فِيهِ" - يوحنا الأولى 4: 16).
العلاقةُ الحُبِيّةُ مَعَ اللهِ - الجزء الأول
العَلاقة مع الله، قبلَ كُلّ شَيٍء، هِي عَلاقةَ حُبٍ إلهيِّ طاهرٍ التي لا تَحمِلُ في ثَناياها أيَّ بُعدٍ سلبيِّ خلافاً لأيِّ علاقةٍ بينَ بشرٍ) "اَللهُ مَحَبَّةٌ، وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ، يَثْبُتْ فِي اللهِ وَاللهُ فِيهِ" - يوحنا الأولى 4: 16). هي أوّلاً علاقة تيقّنٍ بأنّ كِلا الطّرَفّيْنِ يَضمُرانِ طَريقاَ مشتركةً للخلاصِ؛ الله بِعظَمَتِهِ قدّمَ الخلاصَ بيسوعَ المسيح والإنسانُ بدورهِ يقبلُ أو لا يقبلُ عرضَ اللهِ لهُ و"نَحْنُ نُحِبُّهُ لأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أَوَّلاً" (يوحنا الأولى 4: 19). في حالِ قبولِ الشّخصِ لهذا الخلاصِ فإنّهُ بالتّالي تمّ وضعُ أساسٍ مَتينِ لبناءِ علاقةٍ أقوى بَيْنَ الطّرَفَيْنِ الّذي بهِ يتعرّفُ الإنسانُ على مُخلّصِّهِ أكثرَ ويَرى بِأعيُنِ الرّوحِ القُدُسِ السّاكِنُ فيهِ (نَتيجةَ الخَلاصِ) ماهِيّةَ الثّالوثِ الأقدَسِ ويَخْتَبِرُ مَجْدَ الله في حَياتِهِ.
ماذا يربُطُني بِاللهِ؟
• الرِّباطُ "النّوَوِيّ": الطّاقةُ النّوَوَيّة هيَ، حَرفِيّاً، الطّاقةُ النّاتِجَةُ عَن تَفاعُلٍ نَوَوَيٍّ يُؤدّي إلى الإنشِطار والإندِماج. لَحْظَةَ عَودَةِ الإنسانِ إلى حِضنِ الله تُدَمّر سُلطةَ إبليس عَلى حَياتِهِ فيَخرُجَ لِلحَياةِ نَتيجةَ تَفاعُلِهِ مَع مَحبّةِ اللهِ لَهُ وبِالتّالي تَندَمِجُ روحَ اللهِ وكَلِمَتُهِ مَع نَفسِ الشّخصِ بِحَسَبِ مَشيئةَ اللهِ. "مُبَارَكٌ وَمُقَدَّسٌ مَنْ لَهُ نَصِيبٌ فِي الْقِيَامَةِ الأُولَى. هؤُلاَءِ لَيْسَ لِلْمَوْتِ الثَّانِي سُلْطَانٌ عَلَيْهِمْ، بَلْ سَيَكُونُونَ كَهَنَةً للهِ وَالْمَسِيحِ، وَسَيَمْلِكُونَ مَعَهُ أَلْفَ سَنَةٍ" (سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 20: 6)
• الرّباطُ البَنَويّ: " وأمّا كُلُّ الّذينَ قَبِلوهُ فَأعْطاهُم سُلطَاناً أن يَصيرُوا أولادَ الله" (يوحنا 1: 12) اللهُ هوَ الآبُ السماويُّ، فَكًيفَ لا أتَواصَلُ مَع أبي؟ كَيفَ لا أحادِثُهُ وأناجِيهِ وأسمَعُ مِنْهُ؟ كَيفَ لا أسَتشِيرُهُ؟ لنُمثّل هذا عَلى عَلاقةِ الإنسانِ بأبيهِ الأرضيِّ؛ مَنْ مِنّا يَنسى أباهُ؟ مَنْ مِنّا يَتَجاهَلُ أباهُ؟ مَنْ مِنّا لا يَكِنُّ عاطِفَةً واحتِراماً وتَقديراً وحاجَةَ لِلتَواصُلِ مَع أبيهِ؟
ماذا يُبعِدُني عنِ اللهِ؟
• الشّك: بِما أنّ الثّالوثَ الأقدَسَ، المَلَكوت، قُدرةَ اللهِ وعَظَمة مَحَبَتِهِ الأزليّةِ التّي ظَهَرت بِالصّلبِ يَفوقونَ الإدراكَ والمَنطِقَ البَشَريَّ فإنّ الإنسانَ يَقَعُ في فَخِّ الشّكِّ، وهَذهِ هيَ النّقطَةُ التي يَستَغِلُّها إبليسُ للإيقاعِ بِالإنسانِ وتَشويشِ إيمانِهِ. "لاَ تَطْرَحُوا ثِقَتَكُمُ الَّتِي لَهَا مُجَازَاةٌ عَظِيمَةٌ" (عبرانيين 10: 35)
• مدى الإنفتاحِ الرّوحيِّ: "اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا" (يوحنا 4: 24) بِرَفضِنا الإنفَتاحِ الرّوحِيّ لِعَمَلِ الرّوحِ القُدُسِ في حَياتِنا نَضَعُ حَواجز أمامَ عَمَلِ اللهِ ونَرفُضُ تَدَخُّلَهُ في مَسيرَتِنا. هذا القَيدُ يَؤولُ بِنا إلى طَريقٍ مَسدودٍ مَع اللهِ، إذ إنّ اللهَ لا يُجبِرُنا عَلى فِعلِ أيِّ شَيٍء بَل يُرشِدُ ويَعرِضُ فِكرَهُ لمَنْ يَسألُهُ ولَكِن عَدَمَ السّماحِ للرّوحِ القُدُسِ أن يَقودَنا ويُرشِدَنا، يُبعدُنا عَن فِكرِ اللهِ ومَعرِفَةِ قَلبِهِ فَإنّ "قَلْبُ الإِنْسَانِ يُفَكِّرُ فِي طَرِيقِهِ، وَالرَّبُّ يَهْدِي خَطْوَتَهُ" (الأمثال 16: 9). هُناكَ علاقةٌ نسبيّةٌ بينَ مَدى طَلَبي لِتدَخُلِ اللهِ ومَدى تَدَخُّلِهِ، فكُلّما طَلبتُ وَجهَ اللهِ ومَشورَتَهِ أكثرَ تَظهَرُ أعمالُهُ كأوْسِمةٍ في حَياتي.
• الإستهانةُ بِكَلمةِ اللهِ: الكتابُ المُقدّسُ يَعرِضُ لَنا فِكرَ اللهِ ويُجيبُ سُؤلَ قَلبِ الإنسانِ. "لأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ، مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ، لَعَلِّي أَبْلُغُ إِلَى قِيَامَةِ الأَمْوَاتِ" (فيلبي 3:10،11)المَعرِفةُ الشّخصيّةُ الحقيقيّةُ لشَخصٍ مُعيّنٍ تَعني أن أعرِفَ أفكارَهُ، خِطَطَهُ المُستقبليّةَ، أطباعَهُ، نَواياهُ وأسلوبَ حَياتهِ "إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلاَمِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً" (يوحنا 14: 23). وكَذلكَ الحالُ مَع اللهِ، لِكَي أعرِفَهُ، عَلَيّ (بمَعونَةِ الرّوحِ القُدُسِ) أن أقرأَ رسالَتَهُ لِيَ لأفْهَمَ ماهيّةَ هذا الإلهِ وأجِدَ لُغةً مُشتركةَ بَيني وبينَهُ.
• عدمُ التّركيزِ: نَظرةٌ غيرَ مُرتَكزَةٍ على اللهِ. عِندما يَكونُ مِحورُ حَياتي أشياءَ أخرى دُنيويةً بدلاً منَ اللهِ فإنّهُ مِنَ السّهلِ جِداً الإنحِدارَ الى الهاويةِ مرّةً أخرى، لأنَهُ، ومِنَ الطّبيعيِّ، أن يَبنيَ الإنسانُ عَلاقةً مَع الأشياءِ أو الناسِ أو الطُموحاتِ أو ألأهواءِ أو "الآلهةِ" التي هيَ تُشَكّل مِحورَ حياتِهِ. "اهْتَمُّوا بِمَا فَوْقُ لاَ بِمَا عَلَى الأَرْضِ" (بولس الرسول إلى أهل كولوسي 3: 2) والتركيزُ على مَسيرتي مَعَ اللهِ أو عَدَمِهِ يَتعلّقُ بِسُلّمِ أوْلويّاتِ الشّخصِ الّذي هوَ الآخرُ مُتَعَلّقٌ بِمدى مَحَبّتي للهِ وابنِهِ وروحِهِ. "عَيْنَايَ دَائِمًا إِلَى الرَّبِّ، لأَنَّهُ هُوَ يُخْرِجُ رِجْلَيَّ مِنَ الشَّبَكَةِ" (المزامير 25: 15)
• الشّيطانُ: "اُصْحُوا وَاسْهَرُوا. لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ" (رسالة بطرس الرسول الأولى 5: 8) هو من يبحَثُ عَن ثَغراتٍ في شخصيّتي وحياتي الايمانيّةِ فيَستغلُّها لصالِحِهِ بطُرُقٍ شرّيرةٍ وذكيّةٍ و"لاَ عَجَبَ. لأَنَّ الشَّيْطَانَ نَفْسَهُ يُغَيِّرُ شَكْلَهُ إِلَى شِبْهِ مَلاَكِ نُورٍ" (كورنثوس 11: 14). وهذهِ هي أيضاً علاقةٌ نسبيةٌ؛ فكُلّما ابتعدتُ عن مَلَكوتِ اللهِ يقتربُ إلَيَّ إبليسُ أكثرَ ليجذبَني نحوَ الموتِ مُجدّداً. الإبتعادُ عن ملكوتِ اللهِ هوَ نتيجةٌ لعلاقةٍ مكسورةٍ بينَ اللهِ والإنسانِ.
ماذا يقرّبُني مِنَ اللهِ؟
"انْمُوا فِي النِّعْمَةِ وَفِي مَعْرِفَةِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ. لَهُ الْمَجْدُ الآنَ وَإِلَى يَوْمِ الدَّهْرِ. آمِينَ" (رسالة بطرس الثانية 3: 17) نُموُّ الإيمانِ هوَ عمليّةٌ مُستمرّةٌ معَ الزّمنِ، ومَعَ نموِّ علاقتي باللهِ تنمو ثقتي فيهِ وبِعَمَلِهِ. النُّضوجُ الرّوحيُّ لا يُمكِنُهُ أن يَكونَ نتيجةَ عَملٍ سريعٍ إنّما هوَ نتيجةٌ لمرورِ الشّخصِ بإختباراتٍ عديدةٍ مَعَ اللهِ وهوَ ثمرُ عَمَلِ الرّوحِ القُدُسِ في حياةِ الشّخصِ.
• الصّلاةُ: "اعلموا أن الرب يستجيب لصلواتكم إن واظبتم على الصوم والصلوات أمام الرب" (سفر يهوديت 4: 12) وليسَ فقط الصّلاةُ إنّما الصّلاةَ المُستمرّةَ بالإختلاءِ (بَعيداً عَن أيِّ مُؤثّراتٍ خارجيّةٍ مِن مُحيطي). لَيسَ على الصّلاةِ أن تكونَ واجِباً أو فَرضاً يَقومُ بِهِ الإنسانُ أو نصّاً مكتوباً يقرُأهُ إنّما هيَ مُحادثةٌ صريحةٌ معَ الحبيبِ يَسوع. هيَ مُحادثةٌ قلبيّةٌ، عَميقةٌ، ودافئةٌ مَع اللهِ، تكسِرُ حواجزَ الزّمَنِ والمَنطِقِ لتُدخِلَنا مَحضَرَهُ، هيَ اللّقاءُ الرّوحانيُّ مَعَ اللهِ والإمتلاءُ مِن روحِهِ القُدوسِ. "صَلاَةُ الإِيمَانِ تَشْفِي الْمَرِيضَ، وَالرَّبُّ يُقِيمُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ خَطِيَّةً تُغْفَرُ لَهْ" (رسالة يعقوب 5: 15)
• مواجهةُ النفسِ أمامَ اللهِ (الإعترافُ): "اِنْضَحُ عَلَيَّ بِزَوْفَاكَ فَأَطْهُرَ. اغْسِلْنِي فَأَبْيَضَّ أَكْثَرَ مِنَ الثَّلْجِ" (سفر المزامير 51: 7) مُواجهةُ النّفسِ بأفعالِنا وخَطايانا أمامَ اللهِ هيَ وَتدٌ مِن أوتادِ خيمَةِ إجتِماعي أنا باللهِ. الإعترافُ والتّوبَةُ وغُفرانُ اللهِ لي هُم نقطةُ انطلاقي نَحوَ عمليّةِ تنقيةِ الذّاتِ وبِهذا أُتيحُ مَجالاً لبدايةِ عَملِ الرّوحِ القدسِ في نفسي. "الحكمةُ لا تَلِجُ النّفسَ السّاعيةَ بالمَكرِ ولا تحُلُّ في الجَسَدِ المسترَقِ للخطيّةِ؛ لأنَّ روح التأديب القدّوس يهرب من الغشّ ويتحوّل عن الأفكارِ السّفيهةِ وينهَزِمُ إذا حَضُرَ الإثمُ" (الحكمة 1: 4، 5).
بقلم: شفا أبوعقل
يتبع