تأملات روجية

وتدفقت ينابيع الحب من حجر روما

image 3d2af853544597895063e48744ea42632966101ae26bed49bda71473e75ab53d v 1


وتدفقت ينابيع الحب من حجر روما

 

بولس يكتب من حجر (سجن) روما، بعض أن ضُرب، أهين، ووضِع في المقطرة ، وتعرض لاحتمال الإعدام . ويخط بأخلاص رسالته   لكنيسة فيلبي الأولى في أوروبا.

نحن جسد المسيح كنائس من مختلف الطوائف في الحجر البيتي. وبينما نحن ماكثين في الحجر المنزلي، تعالوا بنا أحبائي نتعلم من بولس. بعد أن معظمنا اجتاز تحديات علائقية ونقاشات ثانوية، وانقسامات فكرية وجماعية، عن ضعف، أو جهل، أو عمد.  وكوننا جميعاً لنا ضعفاتنا مع مختلف شخصياتنا، ومختلف نضوجنا. لكن لنتذكر أن محبة المسيح تحصرنا بشدة. 

والكتاب يخبرنا في مراجع عديدة، أن بولس مرَّ في تحديات قاسية، في مجتمع المؤمنون وخارجه.

حقاً إن قناة المحبة المنسكبة، في قلبه بالروح القدس. (5 وَالرَّجَاءُ لاَ يُخْزِي، لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا.رو5 : 5) يرفع بها صلاة من حجر روما، اتجاه الجميع (للناضج والضعيف والمحب والمسيء  إلخ ...) جميع الذي يجمعهم به الإيمان الواحد في الجوهر متغاضيا عن الاختلاف، بالثانويات الايمانية، ومترفعا عن مختلف التحديات. 

ألخص وأقول: توجه بولس لقديسي كنيسة فيلبي، وقادتها من أساقفة، وشمامسة كمًا لنا أجمعين، يلمس القلب. ونلاحظ بولس محاصراً بمحبة المسيح بشدة، مصليا للجميع (شركاؤه بالنعمة) مترفعًا عن ذاته وآلامه وهمومه وحياته المهددة، متغاضيا عن اي أساءه، أو جرح،  أو ذكرى مؤلمة، في خضم علاقاته مع مجتمع مؤمني فيلبي، حاسبهم أغلى من نفسه، وظروفه.(في2 :3)

يبدأ بولس رسالته من حجرة سجن روما، التي أقام فيها سنتين، أولًا، بالشكر. (فِي 1 :3 أَشْكُرُ إِلَهِي عِنْدَ كُلِّ ذِكْرِي أياكم) في كل لحظه تذكر بها أهل كنيسة فيلبي، وسط الآمه وما ينتظره من تهديد، لاستمرارية حياته، أو انتقاله.

والشكر، أي الامتنان فعّل بداخله الطِلبّة بفرح. كما نعلم أن الفرح، والشكر متلازمان. كان بولس يلتمس من أجلهم بصلاته، باستمرار.

          أولًا- يشكر الله بامتنان، وابتهاج، وفرح (فِي 1 :4 دَائِمًا فِي كُلِّ أَدْعِيَتِي، مُقَدِّمًا ٱلطَّلْبَةَ لِأَجْلِ جَمِيعِكُمْ بِفَرَحٍ) مُقدرًا مجهود ما ساهم به كل منهم، في نشر الإنجيل. (فِي1  :4 لِسَبَبِ مُشَارَكَتِكُمْ فِي ٱلْإِنْجِيلِ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ إِلَى ٱلْآنَ.) منذ أن خلصوا باستمرار. بالرغم من تحديات، تفاوت نضوجهم الروحي العلائقي.

ثانيا- يعلن ثقته (فِي 1 :6 وَاثِقًا بِهَذَا عَيْنِهِ أَنَّ ٱلَّذِي ٱبْتَدَأَ فِيكُمْ عَمَلًا صَالِحًا يُكَمِّلُ إِلَى يَوْمِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ) بالروح القدس الذي ابتدأ عمله الثابت بهم، حتى مجيء يسوع  المسيح . بينما هم يخدمون، ينمون، ويتأصلون إلى أسفل . اذ كنيسة فيلبي كانت  فتية، وفي مرحلة تأسيسيه، حيث بدأت في بيت ليديا.

نتابع النص،  بولس وهو في حجر السجن. نلاحظ تدفق ينبوع المحبة، كما ينابيع مدينة فيلبي تفيض بوفرة، هكذا ينبوع محبة المسيح المنسكبة في قلبه، ( روميه 5 :5) ومشرقة، ومنهضة  ذهنه، بالتذكرة في قديسي فيلبي. (فِي 1 :7 كَمَا يَحِقُّ لِي أَنْ أَفْتَكِرَ هَذَا مِنْ جِهَةِ جَمِيعِكُمْ)

تجيش مشاعره في الأعماق، حباً مُتخلخلاً بتحسس، وتحنن أحشاء سيده. ومن له الحق غير بولس أن يعلن ذلك؟ ويتوجه للجميع غير مستثنياً أحداً ، متخذاً مبدأ ربحهم جميعًا شاملاً، أساقفة، وشمامسة، قادة، والشعب، أي كل القديسين في مختلف مقاماتهم الروحية، مترفعًا عن التحديات العلائقية، والسلوكية، ويجمعهم بنطاق الروح الواحد، في فكره المُتسع. 

يعلن بشفافية انسكاب علني متدفق بحماسة حبه لهم، كاشفاً عن ثلاث مراحل نحو عمق محبة المسيح التي أسرته نحوهم.

          المرحلة الاولى- (في 1 :7ِأَنِّي حَافِظُكُمْ فِي قَلْبِي، فِي وُثُقِي، وَفِي ٱلْمُحَامَاةِ عَنِ ٱلْإِنْجِيلِ وَتَثْبِيتِهِ

يعلن بولس أنه حافظهم في قلبه، كما تُحفظ المجوهرات النفيسة غالية الثمن، بإخلاص. لقد امتلكوا كل مساحات   قلبه، مركز المشاعر، والأفكار. بينما هو موثق لتثبيت الإنجيل محاميًا عنه في سجن روما من أجلهم مستقبلًا (كنيسة الرب)، ومن أجلنا نحن في أواخر الايام. 

المرحلة الثانية- يُعبّر بولس الحبيب بمحبة، وفخر،ٍ واعتزازأنهم  جميعاً شركاؤه في النعمة (في1 :7 ) داخلاً عرش النعمة من أجلهم ،معتبرا اياهم شركاء حقيقيين.

المرحلة الثالثة - (فيَ 1 :8 إِنَّ ٱللهَ شَاهِدٌ لِي كَيْفَ أَشْتَاقُ إِلَى جَمِيعِكُمْ فِي أَحْشَاءِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ)

نلاحظ أن ينبوع الوُد يستمر يتدفق، أكثر عمقا، مُعبّرا عن اشتياقه للجميع، كما أحشاء يسوع المسيح الذي يحب ويشتاق للقاء جميع المؤمنين.  يعبر بولس اشتياقه للعلاقة الحميمية معهم هنا وفي الأبديه، ويتابع الصلاة من أجلهم بسمو ورقي غير ذاكرا أو متذمرا اتجاه ظروفه في حجر روما.

          بولس في حجر السجن يعبر عن عاطفته، واشتياقه وحنينه بشدة إلى الجميع، ويدرك أن جميع المفديين مستورين بدم الحمل، مبررين، ويصلي من اجلهم جميعا.

هذا الاشتياق المُحب، أرقى كوينونيا افقية يتمثل بها بولس في الروح الواحد في أحشاء يسوع المسيح الذي يشمل الفكر، والقلب، والأحشاء. يتابع ويصلي أن تزداد محبة المؤمنين المفديين في المعرفة الاختبارية والفهم كمًا محبة المسيح أكثر وأكثر . (فِي 1 :9 وَهَذَا أُصَلِّيهِ: أَنْ تَزْدَادَ مَحَبَّتُكُمْ أَيْضًا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ فِي ٱلْمَعْرِفَةِ وَفِي كُلِّ فَهْمٍ)

يصلي بولس السجين، كي ينضجوا في تمييز الأمور المُتخالفة، ويحيوا في النقاوة (مخلصين) على مثال سيدهم، ويسلكون بالتدقيق، بلا عثرة للمؤمنين، ومن هم خارج.

يصلي أيضا،ً أن يكونوا مثمرين حاملين ثمر البر بلا ملامة، ثمر الروح  (غل5 :22 -23 22 وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ ) ،وفي النهاية يذكر ليس فضل لاحد بل لمجد الله وشكره. 

(فِي1 :10 حَتَّى تُمَيِّزُوا ٱلْأُمُورَ ٱلْمُتَخَالِفَةَ، لِكَيْ تَكُونُوا مُخْلِصِينَ وَبِلَا عَثْرَةٍ إِلَى يَوْمِ ٱلْمَسِيحِ)

(ي 1 :11 مَمْلُوئِينَ مِنْ ثَمَرِ ٱلْبِرِّ ٱلَّذِي بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، لِمَجْدِ ٱللهِ وَحَمْدِهِ)

وماذا عنا نحن في حجر البيت  قديسون من خدام، وشعب. نحن نعلم أن كل ما كتب نافعاً لتعليمنا وتثقيفنا.

حان الوقت لنراجع أنفسنا، في الحجر المنزلي، ونسأل أنفسنا هل نستطيع أن نترفع عن الماضي ونرجع للمحبة الأولى، مفتكرين أننا جميعاً شركاء بعضنا بعضا في النعمة، البعيدين كمًا القريبين؟

هل مساحات قلوبنا، محاصرة بمحبة المسيح للجميع. حتى نتمكن أن نرفع الجميع في عرش النعمة؟

هل تحمِل أحشاؤنا حنين واشتياق في أحشاء يسوع المسيح؟

وهل نستطيع أن نصلي للجميع، بنقاوة قلب، رافعين أيادي طاهرة، ونعيش كما جاء في رسالة

 في 1 :1 -11؟

أثق أننا لا نعاني بالذات معاناة بولس في حجر سجن روما. لكنه استطاع أن يخرج عن القلق، والاهتمام بظروفه الاليمة، من أجل حب أسمى، ظهر على الصليب، اتجاه الجميع.

أجد في الحجر المنزلي فرصة، ربما لا تعوض، للانطلاق من قفصٍ أُغلِق بابه علينا، وتُرك المفتاح في يدنا، لتفتحه قوة المحبة، التي تدفقت على الصليب، بخورا صاعدا من احشائنا، بعد أن انسكبت في قلوبنا بالروح القدس.

أحبائي تشجعنا كلمة الرب في فيلبي 1 مرشدة إيانا بالروح القدس، 

لنسعى، ونلتمس بحب الدعاء، رافعين صلاة التوبة التشفعيه عما مضى، ولنثابر، بنقاوة مصلين وملتمسين في شكر، وابتهاج، وفرح للجميع، متغاضين عن ازمنة نزاعات الجهل الفكري العلائقي، حتى يشعل الروح القدس المحبة المضحية التي بردت من كثرة الآِثم أيام وشهور وسنين هذا عددها!

أثق أنه ستدفق ينابيع الحب ثانية، حين نبدأ في حجر المنزل رافعين الصلاة، كما بولس: أولًا- في الفكر: نفكر باهتمام ببعضنا بعضًا بعمق.

ثانياً- في القلب: فتولد اشتياقا، من الاحشاء فتلتحم شراكة في النعمة، بالروح الواحد بعضنا بعضاً مقدرين الكِياسة، ومقدمين بعضنا بعضًا بالكرامة، والحب الباذل، تأملاً في الصليب.

ثالثًا- نحيا أسرى في سلاسل الحب المنسكب، من المنبع الأصيل من اجل الجميع وتقدم الإنجيل تحت راية واحدة، لابسين المحبة التي هي ربط الكمال.

الرب قريب، اخت مادلين داود